تُعد مكتبة فانكوفر العامة ثالث أكبر منظومة للمكتبة العامة في كندا. ففي عام 2013 بلغ عدد الزيارات التي حظيت بها، أكثر من 6.9 ملايين زيارة، من ضمنها زيارات لرعاة يستعيرون ما يقارب 9.5 ملايين مادة تتضمن مجموعة من المواد، بينها: كتب ورقية، كتب إلكترونية، أقراص ليزرية، أقراص مدمجة ومجلات. كما تقوم المكتبة بتقديم خدماتها إلى ما يقرب من 428 ألف عضو نشط، عبر 22 موقعاً على شبكة الإنترنت. وهي في العموم، طبقا لتقييم باحثين ومتخصصين في الحقل، «فانكوفر» الكندية.. تحفة المعمار ودوح الكتاب.
مكتبة عمال المطاحن
تاريخ حافل لمكتبة فانكوفر يختلط بالقصص الاجتماعية والسياسية والحكايا المتنوعة في البلاد. ففي يناير من العام 1861، أطلق مدير «مطحنة هايستينغس» واسمه «ج. أ. رايمور» المؤسسة الجديدة لحرفيي لندن. وهي عبارة عن غرفة اجتماعات ومكتبة لعمال المطحنة. ومن ثم أعيدت، تحديدا في شهر مارس من العام 1869، تسميتها «بمؤسسة هايستينغس الأدبية». وذلك على شرف العميد البحري، جورج فولر هايستينغس، المبجل.
ورغم عدم وجود سجلات رسمية من مؤسسة هايستينغس الأدبية، إلا أنه من المعروف أن العضوية كانت بالاكتتاب. واستمرت مؤسسة هايستينغس الأدبية في الوجود حتى دمجت منطقة غرانفيل كجزء من مدينة فانكوفر الجديدة في 6 إبريل عام 1886. من ثم لاحقاً، وبعد حريق فانكوفر العظيم في 13 يونيو 1886، جرى التبرع بحوالي 400 كتاب من مؤسسة هايستينغس الأدبية - الزائلة حينها – لغرفة فانكوفر للمطالعة المؤسسة حديثاً.
مكتبة مجانية
في شهر يناير من عام 1887، افتتحت غرفة المطالعة في شارع قرطبة، فوق متجر توماس دان، ومتجر كومباني لأدوات البناء. وكانت معروفة أيضاً بمكتبة فانكوفر المجانية ومكتبة وقاعة مطالعة فانكوفر المجانية. ومن ثم، وفي قرابة أواخر تسعينيات القرن التاسع عشر، أصبحت المكتبة وغرفة المطالعة المجانية في مبنى الجمعية المسيحية للشبان، في الغرب من هايستينغس، مكتظة. وفي خلال هذه الفترة كان الصناعي الأميركي والمحب لفعل الخير أندريه كارنيجي، يقدم المال للمدن والبلــدات مـــن أجــل بناء المكتبات. وفي عام 1901، ناشدت مدينة فانكوفر كارينجي من أجل التبرع بالمال لصالح المكتبة الجديدة، وذلك بهـــدف ملء الفراغ في مبنى الجـــمعية المسيحية للشبان.
وفي فترة لاحقة، وافق كارينجي على التبرع بخمسين ألف دولار، لبناء مكتبة للمدينة، وذلك في حال قدمت مدينة فانكوفر أرضاً مجانية، وهذا طبعاً، إضافة إلى خمسة آلاف دولار سنوياً خصصت لدعم العملية.. وسرعان ما نشبت معركة بين الجانبين الغربي والشرقي لفانكوفر، محوره وموضوعه الرئيس: من سيحصل على المؤسسة الثقافية الجديدة.
ومن ثم، ثبت في استفتاء شعبي عام الموقع الاساس لها في شارعي هايستينغس وويستمينستر المسمى ماين حاليا.. وفي جوار أول مبنى للبلدية، حيث وضع حجر الزاوية بجانب المحفل العظيم للأخوية الماسونية في 29 مارس من عام 1902. وتحته كانت تتوضع مستندات ماسونية، من قبيل: نسخة من عقد دمج المدينة، لوائح لمختلف الموظفين، نماذج للطوابع البريدية والعملات المعدنية المستخدمة آنذاك.
مبنى رومنسيكي
جرى تصميم المبنى من قبل المعماري جورج غرانت. ابن مدينة فانكوفر. وذلك تبعاً لنمط النهضة الرومنسيكية في البناء، مع رواق معمد ايوني مقبب وسطح فرنسي منحدر الطرفين. وفي حين أن الغرانيت المستخدم في البناء، جاء من حصن هندي، فإن الحجارة الرملية اللازمة للجدران، ذات السماكة المضاعفة، عشر مرات، جاءت من جزيرة غابريولا. أما السلالم الرخامية ذات الشكل الحلزوني المدهش فزينت بقطع معدنية بريطانية من فيكتوريا كلفت 2.279 مليون دولار، كما جرى استخدام حوالي عشرة باوندات من الفولاذ.
وتوجد في مبنى المكتبة، نافذة ضخمة ملونة الزجاج ومتعددة الألواح، وذلك إضافة إلى ثلاث نوافذ أصغر حجماً موجودة تحتها، جرى تصميمها وصناعتها من قبل المصمم أن.تي.ليون من تورنتو. واللافت والمميز أنه جرى صور لشخصيات عظيمة على هذه النوافذ، وفقا لطريقة وأنماط فنية، وهم: ميلتون، شكسبير، سبنسر، بيرنز، سكوت، مور. وعمد المعنيون في هذا الشأن، إلى إزالة النوافذ الثلاث الصغيرة، تحديدا في العام 1958.
وذلك عندما جرى تحويل المكتبة إلى متحف. ورغم أن تلك النوافذ بقيت بعدها مفقودة طوال سنوات عديدة، إلا أنه جرى تحديد موقعها. وتبين عقبها، أنها لم تصب بأي أذى. وأعيدت إلى المبنى في عام 1985. أما جدران وأسقف المكتبة فهي مكسوة بالخشب القاسي، كما ان الأرضيات فيها، مغلفة بوساطة خشب البلوط.
مركز ثقافي
تحتوي المكتبة على غرف مطالعة خاصة بالسيدات والأطفال، غرفة للشطرنج، غرفة لمطالعة الصحف، معرض للصور، قاعة للأدب. وتوجد فيها، ضمن الطابق الثالث: المنظمة العالمية والتاريخية للفن (المسماة الآن بمتحف فانكوفر). افتتحت المكتبة في شهر نوفمبر من العام 1903. وهذا الفرع يستخدم، حاليا، بشكل أساسي، كمركز ثقافي للمقيمين في جوار الجانب الشرقي لمركز المدينة. واستمرت مكتبة فانكوفر، على صعيد المكان، في احتلال شارعي هاستينغس ومين، إلى أن جرى افتتاح مكتبة مركزية جديدة في 750 - شارع بيورارد، تحديدا في العام 1957.
ومن ثم بدأ الانتقال من موقع كارينجي إلى الموقع الجديد، في منتصف سبتمبر 1957. وكان الافتتاح الرسمي للمكتبة الجديدة في الشهر والعام ذاتهما، في مبنى بيورارد، وذلك إلى غاية شهر إبريل من العام 1995، إذ أغلقت، حينها، في عملية تحضير للانتقال إلى موقع جديد في ساحة المكتبة، الموجودة في شارع جورجيا. وافتتح الفرع المركزي في مركز مدينة فانكوفر في 26 مايو 1995 وكلف الحكومة الكندية، وقتها: 106.8 ملايين دولار لبنائه.
الفرع المركزي وساحة المكتبة
احتل ساحة المكتبة، جامعة الفرع الرئيسي لمكتبة فانكوفر العامة، برج المكتب الفيدرالي، إلى جانب وسائل تسهيلات الخدمة والبيع بالمفرق. كما احتلت كتلة من المدينة في مركز فانكوفر. وتتوضع المكتبة في تلك الكتلة. وفعليا، هي عبارة عن صندوق مستطيل مكون من تسعة طوابق، يتضمن خدمات وفيها كومات من الكتب محاطة بجدار ذي اعمدة، بيضوي الشكل، يقف حراً ليضم مناطق القراءة والدراسة، والتي يمكن الوصول إليها عبر جسور تمتد إلى قاعات مضاءة بضوء الشمس كونها زجاجية الأسقف.
والواجهة الزجاجية الداخلية للمكتب تشرف على باحة مسورة مشكلة من جدار بيضوي ثانٍ، يحدد الجانب الشرقي من الموقع. وتعد الباحة ذات السقف الزجاجي، بهوا للدخول إلى المكتبة. وفيها أكثر نشاطات المشي حيوية في المستوى الأرضي.
كما توجد مساحات عامة تحيط بالمكتبة، وتشكل ميداناً متواصلاً مع موقف للسيارات تحته. كما أن المظهر الخارجي للمبنى يشبه المدرج الفلافي في روما، والمعروف بشكل أفضل باسمه الحالي الكولوسيوم. ذلك على الرغم من أن هذا الشبه يرتبط بالشكل الحالي للمبنى، أكثر من كونه مرتبطاً بالشكل الأصلي للمبنى.
مسابقة للتصميم
كان مشروع ساحة المكتبة أكبر مشروع رأسمالي على الإطلاق، تعهدت به مدينة فانكوفر وقرار بناء المشروع جاء بعد استفتاء شعبي مؤيد لذلك في شهر اكتوبر من العام 1990. إذ نظمت المدينة مسابقة متخصصة، تنافس فيها كبار المصممين سعيا إلى اختيار تصميم للمبنى الجديد، وكذا جرى اختيار تصميم موشي صفدي الذي كان الأكثر تفضيلاً لدى العامة، حيث كان من المطلوب أن يشتمل التصميم على برج المكتب الفيدرالي، ذي الـ21 طابقاً، بهدف أن يتحقق تولي تكاليف التصميم كجزء من الاتفاق مع الحكومة الفيدرالية. إذ إن الحكومة كان لديها عقد إيجار طويل الأمد لحصة برج المكتب الفيدرالي الشاهق الارتفاع من المشروع.
وبدأت عملية البناء في أوائل العام 1993، واستغرقت عامين، حيث أنجز في سنة 1995.
تحديث وريادة «إلكترونياً»
لم تتخلف مكتبة فانكوفر عن مواكبة عوالم النشر والكتاب الإلكترونيين. لا بل إنها حققت معايير مثالية وراقية في هذا الصدد. وبدت بذا، نموذجا رائدا يحتذى، خاصة في ظل تركيزها على توظيف أبرز الإمكانات ورصد اهم الميزانيات لهذا الغرض. وهي في هذا الخصوص، باتت محط اقتداء واغتناء. إذ تستفيد من تجربتها جهات عديدة، وذلك محليا وعالميا.
المدينة- المكتبة.. قصص التاريخ والعراقة والفكر
أكسبت مكتبة فانكوفر، أهمية وقيمة إضافيتين لمدينة فانكوفر الكندية، الواقعة في الجنوب الغربي لولاية كولومبيا البريطانية. وسميت هذه المدينة على اسم القبطان جورج فانكوفر، كما أنها تصنف حاليا، كأكبر مدينة في ولاية كولمبيا البريطانية، وتبعد نحو 40 كم شمالي الحدود الفاصلة بين كندا والولايات المتحدة، وتتركز كميناء طبيعي يقع على مدخل بورارد، وهو الأمر الذي يمنح المدينة مكانة خاصة. وتعتبر فانكوفر مدخل كندا إلى المحيط الهادئ.
وبطبيعة الحال، تغتني المدينة بقيمة مكتبتها وعراقتها. إذ إنها درة حاضنة للنتاج التاريخي والادبي والفكري العام للبلاد. وتشتمل على مجموعة مهمة من الكتب والمجلاّت والأقراص المدمجة.. وأقراص الفيديو الرقمية. وهي في العموم، تعد من أهم المكاتب في كندا، وتستقبل أعدادا هائلة من محبي القراءة، بحيث تؤمن لهم الأجواء المناسبة والمراجع المهمّة الكفيلة بخطفهم لساعات طويلة. كما أنها مجهزة بأحدث الوسائل التثقيفية والمعرفية. وفيها معدات وآليات عمل وخدمة، تصنف من بين الأجود والأحدث عالميا