قال الونشريسي في المنهج: "اعِلم أنَّ المُوثِّق يجب عليه أن يعتذرَ عن كل ما يقع في الوثيقة من محوٍ أو بشرٍ أو ضربٍ أو لحقٍ أو إقحام".
أولًا: ماذا يُقصد بالاعتذار الاعتذار في العموم هو تحري الإنسان ما يمحو به أثر ذنبه، والمراد به في علم الوثائق التعديل والتصحيح في الوثيقة، والإشارة إلى سبب ما فيها من محوٍ أو بشرٍ أو ضربٍ أو لحقٍ ونحوه.
ثانيًا: حُكمُ الاعتذار اختلف أهلُ العِلم في أمر إصلاح الوثائق على النحو التالي: * فريق يرى أنَّ إصلاحَ الوثائق هو من أقوى الأدلة على براءتها وتصحيحها، قال القاضي أبو بكر محمد بن زرب: "المحو والبشر واللحق في الوثائق كالحُليّ لها، ومن أقوى الأدلة على براءتها وتصحيحها، وسلامتها من هذا - أي من التصحيح والتعديل - ريبةٌ فيها وشاهدٌ على التَّصنُّع والمُداخلة فيها". * ويرى فريق آخر بأنّه لا بأس من إصلاح الوثائق إذا كان ذلك في غير مواضع العدد (مثل عددِ الدنانير أو أجلِها أو تاريخ الوثيقة). * ويرى فريق ثالث بأنّه إذا وقع في الوثيقة خطأ يستدعي التعديل أو التصحيح، فيجب أن تُقطَّع الوثيقة وتُبدَّل بأسرها، قال به أبو الحسن الرعيني.
ولا شكَّ أنَّ الوثيقةَ الخاليةَ من الضربِ أو المحوِ أو الإلحاقِ أو الإقحامِ تكون بعيدة عن شُبُهات التزوير، فإن وقع شيئًا من التعديل أو التصحيح إضافةً أو نقصًا في الوثيقة يكون اعتذار الموثّق جبرٌ لها، ودليلٌ على احتياطه وحرصه على مُراجعة ألفاظها وتصحيح نصوصها حتى لا يقع ما يُسقط الحقوق أو يُخل بصياغة الوثيقة.
ثالثًا: المواضع التي يجوز فيها الاعتذار والتي لا يجوز كُل المواضع التي لا تتم الوثيقة إلّا بها مثل مواضع العدد في الأثمان ومواقيتها، وتاريخ الوثيقة، وأسماء المُتصرفين والشيء المُتصرّف فيه، إذا وقعت التصويبات أو التعديلات في هذه المواضع يجوز الاعتذار منها بل يجب، فإن لم يُعتذر منها أصبحت الوثيقة باطلة.
أمّا إذا وقعت التصويبات والتعديلات في اسم من أسماء الله - تعالى - أو في اسم نبيٍّ من أنبياء الله- صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين - ، فلا يجوز الاعتذار وتُقطّعُ الوثيقة وتُستأنفُ من أوّلها إجلالاً لهُم وإعظاما.
رابعًا: محلُّ الاعتذار أين يكون الإعتذار في الوثائق؟: لمحل الاعتذار في الوثائق ثلاثُ حالات: ١) جرت العادة على أنْ يكون محل الاعتذار قبل التاريخ مُباشرةً ليكون التاريخ خاتمًا للوثيقة بإعتبار التاريخ مانعًا لأيّ زيادة. قال أبو الحسن الرعيني: "الوجهُ فيما يقع في الوثيقة من إلحاقٍ أو إصلاحٍ أن يكون الاعتذار عنه داخلًا تحت تاريخها حتى يكون التاريخ خاتمًا لها تُمنع الزيادة معه، وذلك أضبط للعقد". ٢) الحالة الثانية كتابةُ الاعتذار بعد التاريخ، لئلَّا يقع في التاريخ ما يجب الاعتذار عنه فيكون الاعتذار في موضعين. قال به الغرناطي والقفصيّ والونشريسي. ٣) في حالة إغفال الاعتذار حتى يُوقّع الشهود شهاداتهم على الوثيقة، فيكون محل الاعتذار عقب شهادة الشهود معطوفاً عليه بالواو، لأن الاعتذار في هذه الحالة يكون زائد على نص العقد (الوثيقة).
خامسًا: اصطلاحات إصلاح الوثائق اهتم الموثقون وعلماء الشروط بأمر إصلاح الوثائق اهتمامًا بالغًا، وبيّنوا الطُرق المُثلى لذلك بمنهجيةٍ علميةٍ مُعتبرة، وهذه هي الإصطلاحات المُتعارف عليها والتي تعنى بإصلاح الوثيقة:
أ) اللَّحقُ: اللحقُ من الإلحاق ويُقصد به الإستدراك بالعبارة التي سقطت من أصل الوثيقة أو الكتاب، أو هو ما يُزاد من كلمة أو كلمتين أو أكثر بين السطور، ويسمى عند علماء الحديث باللَّحَق بفتح الحاء، وفي مصطلح الموثقين يسمى المخرج.
ب) الإقحامُ هو إدخال الحرف بين الحرفين أو الكلمة بين الكلمتين لفُرجةٍ بينهما.
ج) البَشْرُ البَشْرُ ( بفتح الباء وتسكين الشين المُعجمتين) معناه الكشط أو التقشير أو الحك بالسكين ونحوها.
د) المحوُ: يُقصد به إزالة الزائد.
ه) الضَّربُ: الضربُ معناه الشطبُ وهو أن يوضع خط على المضروب دلالةً على إبطاله.
و) الطمسُ: الطمسُ هو شطبٌ أيضا ولكنه يُعني الشطب التام بحيث لا يُرى من المطموس شيئاً. والأفضلُ استخدام الضرب وليس الطمس. _______________________________________________ المصادر ١- أبو إسحاق الغرناطي، إبراهيم بن أحمد بن عبد الرحمن (ت ٥٧٩ ه): الوثائق المختصرة، تحقيق إبراهيم السهلي .- المدينة المنورة: الجامعة الإسلامية، ٢٠١١م، ص ص٩٠- ٩٣. ٢- أبي العباس الونشريسي، أحمد بن يحيى (ت ٩١٤ ه): المنهج الفائق والمعنى اللائق والمنهل الرائق بآداب الموثق وأحكام الوثائق، تحقيق عبد الرحمن الأطرم .- دبي: دار البحوث للدراسات الإسلامية وإحياء التراث، ٢٠٠٥م، ج١ ص ص٢٩٩- ٣١٣. ٣- محمد إبراهيم السيد: مقدمة للوثائق العربية .- القاهرة: العربي للنشر والتوزيع، ١٩٩٣م،ص ص٨٧- ٨٩.