22 Apr

الدبلوماتيك باللغة العربية هو علم دراسة الوثائق وتحقيقها ونقدها، وهو علميدرس الوثائق، ويحدد القواعد العامة بقصد التمييز بين الوثائق الصحيحةوالمزيفة.


كما انه يدرس كيفية تحرير الوثائق من اول حرف حتى النهاية. والوثيقة: هيالمصدر الأصلي والأساسي الذي يعتمد عليه المؤرخ أو الباحث، وهي المادةالخام التي ينسج منها ما يكتبه.
والوثيقة في اللغة العربية مشتقة من كلمة وَث.قَ، ويقال وَث.ق به اذا ائتمنه، والميثاق: العهد، والمواثقة: المعاهدة، والوثيقة: الشيء المحكم، وجمعها: وثائق، ويقال أخذ بالوثيقة في أمره: أي بالثقة، واستوثق منه أي أخذ منه الوثيقة. ووثّق فلانا أي قال فيه بأنه ثقة. ومنه وثق العقد: سجله بالطريق الرسمي، فكان موضع ثقة، وكذلك قولهم: توثق في الأمر: أي أخذ فيهبالوثيقة أو بالثقة، والوثيقة: المستند ونحوه. أما كلمة وثيقة ducumentفهي مشتقة من الاصل اللاتيني docere بمعنى يعلم.


وعلم الوثائق او الدبلوماتيك: هو العلم الذي بين القواعد التي يمكن بهاالتمييز بين الوثائق الصحيحة والمزيفة، وهو يدرس الوثائق الرسمية في مختلف العصور ليبين التغيرات التي طرأت عليها بين فترة واخرى، وهو علم يهتم ايضا بدراسة الأجهزة والادارات المختلفة التي تشرف على اصدار الوثائق، سواء كانت مؤسسات او دوائر حكومية، أو محاكم وقضاة أو اشخاص.
ودور الوثائقي يسبق عمل المؤرخ، فيأتي الوثائقي أولا ويقوم بوصف الوثيقةوتحديد تاريخها وعصرها، فاذا اجازها من الناحية الشكلية، وارجعها الى اصلها والى الفترة الزمنية التي كتبت فيها، يأتي بعد ذلك دور المؤرخ ليدرسالمادة التاريخية، ويتحقق مما فيها من معلومات، ويقوم بتشييد بناء البحثالتاريخي، لذا فعلم الدبلوماتيك او الوثائق يعتبر من اهم العلوم المساعدة لعلم التاريخ، حيث يستعين به المؤرخ لفهم مصادره ونقدها، وتقدير قيمتهاالتاريخية، وبذلك نستطيع القول بأن الهدف الأساسي من التوثيق هو تقديمالوثيقة خالية من كل دس وتزوير، وهي صحيحة النسبة الى عصرها وصاحبها.


ونتيجة لهذا الارتباط، فان علم الدبلوماتيك او دراسة الوثائق رافق ازدهارعلم التاريخ، وبما ان الوثائق تعتبر مصدرا مهما من مصادر كتابة التاريخ، اذبإمكانها ان تنفي الحدث التاريخي، او ان تثبته فان على العملاء ان يبذلواجهدهم لايجاد تاريخ جديد يقتصر على القضايا والحوادث التي وقعت فعلا ويوثق بصحتها.
وكان الاعتقاد السائد في السابق بان مؤسس هذا العلم راهب فرنسي يدعى دوم جان مابيلون D. J. Mabillon (1632 - 1707) وقد ألف هذا العالم أول كتاب في هذا الموضوع عام 1681، فهو من اهم المراجع في نشأة الدبلوماتيك، اذ تناول فيه قواعد النقد التي يمكن الاعتماد عليها لنقد أي وثيقة، وبذلك زعموا بأن مابيلون، هو الذي أوجد القواعد الاساسية التي تعتمد عليها دراسة الوثائق.

سلامة الشكل والمضمون
وبما ان الوثائق تعتبر مصدرا مهما من مصادر التاريخ، فهي بذلك تحتاج الىجهود كبيرة ومضنية لدراستها ليس من حيث المضمون فقط، وانما من حيث الشكل ايضا، وذلك لتمييز الصحيح من المزيف، وعلينا هنا مراعاة الدقة التامة من اجل تقديم الوثيقة محققة وخالية من كل دس او تزوير، وان تكون صحيحة النسب الى عصرها وصاحبها، وهنا لابد من توافر نوعين من الصحة: سلامة الشكل من التحريف (الصحة الدبلوماتيكية)، وسلامة المضمون من التزوير (الصحة التاريخية).
1- الصحة الدبلوماتيكية او الشكلية: والمقصود بها ان تكون الوثيقة مطابقةللأسس والقواعد المعمول بها في الديوان او الجهة التي صدرت عنها الوثيقة، وكان للدواوين المختلفة قواعد ثابتة لا تتغير في كتابة الرسائل، وتختلف هذه القواعد من ديوان لآخر ومن دولة لاخرى، ويمكن تحديد القواعد من خلال دراسة مجموعة كبيرة من الوثائق، وعلى دارس الوثائق او البلوماتيكي ان يتأكد من صحة الوثيقة عن طريق دراسة شكلها، لمعرفة خصائصها الخارجية والداخلية.
فالخصائص الخارجية تشتمل على كل ما له علاقة بالمواد التي استخدمت فيالوثيقة مثل: طريقة الكتابة وتنظيم الوثيقة، والمواد المستخدمة في الكتابةكالرق والبردي والورق والاحبار والألوان، وعليه فان دارس الوثائق يجب عليه ان يعرف انواع الخطوط والاختام المستخدمة، وان يبين مواطن التلف والتزييف والتحريف ان وجدت، دون ان يهمل الخصائص الداخلية التي تتعلق بلغة الوثيقة واسلوب الكتابة، والعبارات المستخدمة في العصر المراد دراسته، ومعرفة هذه الخصائص ستعينه على التحقق من صحة الوثيقة شكليا.


2- الصحة التاريخية او المضمون: اي ان يكون مضمون الوثيقة يتماشى معالاحداث التاريخية التي وقعت في الزمن نفسه الذي تنتمي اليه الوثيقة، والاتحتوي معلومات مخالفة للحقيقة: لانه قد يلجأ بعض الناس الى هذه الطريقةلتزوير الحقائق التاريخية وتقديم معلومات مغلوطة.
ومن امثلة تزوير الاصول التاريخية في تاريخنا الاسلامي ما قام به الخليفةالعباسي المأمون (198 - 218هــ / 813 - 833م) عندما حذف اسم الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان من مسجد الصخرة في بيت المقدس، ووضع اسمه مكانه، ولحسن حظ المؤرخين فان عملية التزوير هذه لم تكن متقنة، حيث نسي ان يغير التاريخ وهو عام 72هــ، فتم كشف هذا التزوير.


ونود التأكيد هنا بأنه يتعين على المؤرخ باعتباره دارسا للوثائق بان يتحققمن صحة الاصول: لانه اذا بنى بحثه على اصول مزورة او خاطئة فهذا سيقوده الى نتائج لا تمت الى الواقع بصلة.
كما يتوجب على الباحث ايضا الا يسلم بصحة كل وثيقة تقع بين يديه حتى يتأكد من صحتها، ومن ثم يقوم باستخلاص الشواهد التاريخية منها، وفي الوقت الحالي يقوم العاملون في الارشيفات - وفي علم الدبلوماتيك على وجه الخصوص بنقد صحة الأصول - ومن ثم يتحققون من صحة الوثيقة، فيوفرون بذلك وقت الباحثين وجهدهم. ولكن اذا عثر على أي وثائق جديدة ولم تدرس من قبل، ولم يتحقق من صحتها، فعلى المؤرخ أو الباحث القيام بهذا الأمر بنفسه.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
تم عمل هذا الموقع بواسطة