الدبلوماتيك باللغة العربية هو علم دراسة الوثائق وتحقيقها ونقدها، وهو علميدرس الوثائق، ويحدد القواعد العامة بقصد التمييز بين الوثائق الصحيحةوالمزيفة.
كما انه يدرس كيفية تحرير الوثائق من اول حرف حتى النهاية. والوثيقة: هيالمصدر الأصلي والأساسي الذي يعتمد عليه المؤرخ أو الباحث، وهي المادةالخام التي ينسج منها ما يكتبه. والوثيقة في اللغة العربية مشتقة من كلمة وَث.قَ، ويقال وَث.ق به اذاائتمنه، والميثاق: العهد، والمواثقة: المعاهدة، والوثيقة: الشيء المحكم،وجمعها: وثائق، ويقال أخذ بالوثيقة في أمره: أي بالثقة، واستوثق منه أي أخذمنه الوثيقة. ووثّق فلانا أي قال فيه بأنه ثقة. ومنه وثق العقد: سجلهبالطريق الرسمي، فكان موضع ثقة، وكذلك قولهم: توثق في الأمر: أي أخذ فيهبالوثيقة أو بالثقة، والوثيقة: المستند ونحوه. أما كلمة وثيقة ducumentفهيمشتقة من الاصل اللاتيني docere بمعنى يعلم.
وعلم الوثائق او الدبلوماتيك: هو العلم الذي بين القواعد التي يمكن بهاالتمييز بين الوثائق الصحيحة والمزيفة، وهو يدرس الوثائق الرسمية في مختلفالعصور ليبين التغيرات التي طرأت عليها بين فترة واخرى، وهو علم يهتم ايضابدراسة الأجهزة والادارات المختلفة التي تشرف على اصدار الوثائق، سواء كانتمؤسسات او دوائر حكومية، أو محاكم وقضاة أو اشخاص. ودور الوثائقي يسبق عمل المؤرخ، فيأتي الوثائقي أولا ويقوم بوصف الوثيقةوتحديد تاريخها وعصرها، فاذا اجازها من الناحية الشكلية، وارجعها الى اصلهاوالى الفترة الزمنية التي كتبت فيها، يأتي بعد ذلك دور المؤرخ ليدرسالمادة التاريخية، ويتحقق مما فيها من معلومات، ويقوم بتشييد بناء البحثالتاريخي، لذا فعلم الدبلوماتيك او الوثائق يعتبر من اهم العلوم المساعدةلعلم التاريخ، حيث يستعين به المؤرخ لفهم مصادره ونقدها، وتقدير قيمتهاالتاريخية، وبذلك نستطيع القول بأن الهدف الأساسي من التوثيق هو تقديمالوثيقة خالية من كل دس وتزوير، وهي صحيحة النسبة الى عصرها وصاحبها.
ونتيجة لهذا الارتباط، فان علم الدبلوماتيك او دراسة الوثائق رافق ازدهارعلم التاريخ، وبما ان الوثائق تعتبر مصدرا مهما من مصادر كتابة التاريخ، اذبإمكانها ان تنفي الحدث التاريخي، او ان تثبته فان على العملاء ان يبذلواجهدهم لايجاد تاريخ جديد يقتصر على القضايا والحوادث التي وقعت فعلا ويوثقبصحتها. وكان الاعتقاد السائد في السابق بان مؤسس هذا العلم راهب فرنسي يدعى دومجان مابيلون D. J. Mabillon (1632 - 1707) وقد ألف هذا العالم أول كتاب فيهذا الموضوع عام 1681، فهو من اهم المراجع في نشأة الدبلوماتيك، اذ تناولفيه قواعد النقد التي يمكن الاعتماد عليها لنقد أي وثيقة، وبذلك زعموا بأنمابيلون، هو الذي أوجد القواعد الاساسية التي تعتمد عليها دراسة الوثائق. سلامة الشكل والمضمون وبما ان الوثائق تعتبر مصدرا مهما من مصادر التاريخ، فهي بذلك تحتاج الىجهود كبيرة ومضنية لدراستها ليس من حيث المضمون فقط، وانما من حيث الشكلايضا، وذلك لتمييز الصحيح من المزيف، وعلينا هنا مراعاة الدقة التامة مناجل تقديم الوثيقة محققة وخالية من كل دس او تزوير، وان تكون صحيحة النسبالى عصرها وصاحبها، وهنا لابد من توافر نوعين من الصحة: سلامة الشكل منالتحريف (الصحة الدبلوماتيكية)، وسلامة المضمون من التزوير (الصحةالتاريخية). 1- الصحة الدبلوماتيكية او الشكلية: والمقصود بها ان تكون الوثيقة مطابقةللأسس والقواعد المعمول بها في الديوان او الجهة التي صدرت عنها الوثيقة،وكان للدواوين المختلفة قواعد ثابتة لا تتغير في كتابة الرسائل، وتختلف هذهالقواعد من ديوان لآخر ومن دولة لاخرى، ويمكن تحديد القواعد من خلال دراسةمجموعة كبيرة من الوثائق، وعلى دارس الوثائق او البلوماتيكي ان يتأكد منصحة الوثيقة عن طريق دراسة شكلها، لمعرفة خصائصها الخارجية والداخلية. فالخصائص الخارجية تشتمل على كل ما له علاقة بالمواد التي استخدمت فيالوثيقة مثل: طريقة الكتابة وتنظيم الوثيقة، والمواد المستخدمة في الكتابةكالرق والبردي والورق والاحبار والألوان، وعليه فان دارس الوثائق يجب عليهان يعرف انواع الخطوط والاختام المستخدمة، وان يبين مواطن التلف والتزييفوالتحريف ان وجدت، دون ان يهمل الخصائص الداخلية التي تتعلق بلغة الوثيقةواسلوب الكتابة، والعبارات المستخدمة في العصر المراد دراسته، ومعرفة هذهالخصائص ستعينه على التحقق من صحة الوثيقة شكليا.
2- الصحة التاريخية او المضمون: اي ان يكون مضمون الوثيقة يتماشى معالاحداث التاريخية التي وقعت في الزمن نفسه الذي تنتمي اليه الوثيقة، والاتحتوي معلومات مخالفة للحقيقة: لانه قد يلجأ بعض الناس الى هذه الطريقةلتزوير الحقائق التاريخية وتقديم معلومات مغلوطة. ومن امثلة تزوير الاصول التاريخية في تاريخنا الاسلامي ما قام به الخليفةالعباسي المأمون (198 - 218هــ / 813 - 833م) عندما حذف اسم الخليفة الأمويعبدالملك بن مروان من مسجد الصخرة في بيت المقدس، ووضع اسمه مكانه، ولحسنحظ المؤرخين فان عملية التزوير هذه لم تكن متقنة، حيث نسي ان يغير التاريخوهو عام 72هــ، فتم كشف هذا التزوير.
ونود التأكيد هنا بأنه يتعين على المؤرخ باعتباره دارسا للوثائق بان يتحققمن صحة الاصول: لانه اذا بنى بحثه على اصول مزورة او خاطئة فهذا سيقوده الىنتائج لا تمت الى الواقع بصلة. كما يتوجب على الباحث ايضا الا يسلم بصحة كل وثيقة تقع بين يديه حتى يتأكدمن صحتها، ومن ثم يقوم باستخلاص الشواهد التاريخية منها، وفي الوقت الحالييقوم العاملون في الارشيفات - وفي علم الدبلوماتيك على وجه الخصوص بنقد صحةالأصول - ومن ثم يتحققون من صحة الوثيقة، فيوفرون بذلك وقت الباحثينوجهدهم. ولكن اذا عثر على أي وثائق جديدة ولم تدرس من قبل، ولم يتحقق منصحتها، فعلى المؤرخ أو الباحث القيام بهذا الأمر بنفسه.